.
كان مساعد ولد بار بوالديه لم يخرج يوما عن طوعهم ولذلك
عندما أختارا له زوجة صالحة من العائلة حيث كانت التقاليد وقتها تقضي بذلك في عائلتهم وبشدة لم يعص والديه وتزوج من أبنة عمه صالحه وعاش معها بما يرضي الله فانجبت له ولدين صالح وهو البكري وحمود ولم يرزقا ببنت أو أولاد غيرهم وظل مساعد يرجو أن يكبرا ويساعداه في تجارته بين الكويت والهند والبصرة عندما كان يقوم بتحميل التمور من البصرة ببغلته الكبيرة(سفينة تسمي البغلة وهي تستعمل للأحمال التجارية)التي ورثها عن أبيه ويقوم ببيعها في الهند وبنقودها يذهب الي زنجبار ليعود بالخشب الي الكويت ولم يكن له خبرة في الغوص واللؤلؤ وتجارته ولذلك وعندما كبرا ولديه علمهما مايعلم ومايحسنه فتربي ولديه علي ذلك وكان حمود وهو الأصغر كثير التعلق بوالده ولايعصي له أمرا ولذلك عندما أمره والده بالزواج أمتثل لأمره وتزوج أبنة عمه ساره وظل صالح بدون زواج لأنه لايقر هذا الوضع داخل نفسه ويريد أن يتزوج علي طريقته بفتاة يهواها قلبه حتي وإن كانت من خارج العائلة برغم علمه بما قد يجر هذا القرار عليه من متاعب ولذلك لم يعارض بأن يتزوج أخوه حمود قبله بالرغم من أن التقاليد تقضي بأن يتزوج الكبير قبل الصغير وبارك لأخيه حمود وكان مسرورا لزواجه لأنه أبعد الأضواء عنه وترك له فرصة رأها صالح مهمة حتي يلتقي قلبه بمن يحب وظل حمود يركب بغلة والده ويتاجر معه في أسفاره بينما أستقر صالح في بساتين البصرة يرعي مصالح والده فيها فقد كان الأستثمار فيها وفي بساتينها ونخيلها (قبل ظهور النفط)يعتبر مكسبا كبيرا حسب رأي والده حتي لايشتري التمور من التجار ويأخذها من بساتينه التي يشرف ولده صالح عليها ليبيعها وهكذا وجد صالح نفسه بعيدا عن الكويت يرعي مصالح والده في وسط بساتين جميلة وخضرة قل أن يجد مثلها في الكويت ونهر يمر بين بساتينه فيرويها له من غير كد أو تعب.
نرجع الي حمود وقد قفز من فرحته وهو يسمع زوجته سارة تبشره بأنها حامل في شهورها الأولي وتمني أن تبدأ ولادتها بصبي حتي يكون أكبر أخوانه وظلت هذه الفكرة تداعب مشاعره طيلة الشهور التسعة ولكن ساره خيبت ظنه كما يعتقد وهي لاحول لها ولاقوة فهذا أمر الله يهب لمن يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء أناثاويجعل من يشاء عقيما فكان أن ولدت له فتاة جميلة معافاة فراح يقبلها علي مضض ويترك تسميتها لوالدتها فسمتها سعاد وتمنت لها السعادة.عندما عاد أخوه صالح من البصرة ليبارك لأخيه وراي الفتاة طار قلبه فرحا بها وتمني لها السعادة وطلب من أخيه أن يرضي بما قسمه الله له ولكن أخوه لم يقنع من داخل نفسه وراودته نفسه بأن أخوه صالح يريد أن يكون هو من يفرح أباه عند زواجه بالولد ولذلك جاري أخوه في حديثه ولم يزد عليه وشكره علي التهنئة.لاحظت ساره عدم فرح حمود بالبنت وسارعت بالحمل مرة أخري ولكن الظروف شاءت بأن تلدها أنثي أيضاوصار عند حمود بنتان سعاد ومنيرة فزاد غضبه وراح يغيب عن المنزل ويصب همومه في العمل ووالده يحاول أن يخفف عنه ولكنه كان يقول لوالده سارة لاتلد إلا أناثا ,أتفهم هذا ياأبي؟لاتلد إلا أناثا. في كل مرة يزيد حنق حمود علي زوجته وبناته كان عمهم صالح يطير بهم فرحا ويسعد لمجرد رؤيتهم ويحدث نفسه بأن حمود في نعمة كبيرة لايعرف معناها حتي الأن ويتمني لو كان تزوج ورزق بمثل هاتين البنتين الجميلتين ويكفي أن الله من عليهم بسلامة الخلًق وحلاوة المنظر
ترزق سارةبأبنتها الثالثة وكالعادة تقوم هي بتسميتها فقد رفض حمود حتي النظر إليها هذه المرة , سارة تتقاضي عن الموضوع بسرعة وعلي مضض منها حتي لاتشعر عمتها وزوج عمتها بما تعانيه من تعجرف حمود وأنانيته وهل كانت هي المسؤولة عن خلق الجنين حتي تصنعه علي خاطر حمود ورغباته,أستغفر الله العظيم ,تقول هذا في سرها علي هذه الخاطرة التي فاجئت تفكيرها..
في المقابل يتحصل صالح علي بساتين واسعة ويزيد من شراءه لها في البصرة وفي أماكن ينتقيها تكون مشهورة بقيمة وجودة نخيلها من البرحي والسكر وماإلي ذلك من أصناف التمور الممتازة حتي يتحصل منها في النهاية علي تمور جيدة تجعل والده مسرورا منه ومن عمله وفخورا به, علي الرغم من أن هذا المجهود جعله يقلل من حضوره الي الكويت حتي صار وجوده في البصرة شبه مستمر ولاينزل للكويت الي في النزر القليل ومتي مانزل الي الكويت راح يجري الي بنات أخيه الثلاث سعاد ومنيرةودلال ليحتضنهم بكل دلال وشوق فكانوا يعوضون به حنان أبيهم من غير أن يشعروا حتي باتوا ينادونه بابا صالح,حضر بابا صالح وذهب بابا صالح.ظل حمود غاضبا من زوجته لأنها أنجبت له ثلاث بنات ولأن والده منعه من الزواج من أمرأة أخري وطلب منه أن يصبر علي زوجته حتي تأتي له بالصبي الذي يتمناه قلبه ولذلك فقد جن جنونه وراح يعاقر الخمر متي ماتسني له ذلك في سفره أو وجده عند أصحاب السوء من رفاقه الجدد الذي عرفته الخمرة ولعب الميسر عليهم في سهراته معهم والتي كانوا يتخفون فيها عن الناس في أحدي المزارع النائية في الفنطاس في ذلك الوقت في زمن كان فيه شرب السجائر من الخطايا التي يكفر عليها المرء فما بالك بالخمر والميسرولكن لاشئ يمكنه أن يستمر سرا الي الأبد فكان أن نبا علم ذلك الي والد حمود فبدأ يضيق به ذرعا ويحاول نصيحته بعيدا عن زوجته صالحة حتي لاتسمع مايدور بينهم فلو سمعت بهذا فهو يعلم بأن نهايتها ستكون علي يد ولدها حمود.
في يوم من الأيام يحضر حمود عند الفجر وهو في حالة سكر شديد ويتسلل الي البيت بهدوء شديد ويمر علي غرفة زوجته التي مازالت ساهرة ترتقب حضوره ليكيل لها كل مافي قلبه من ضجر منها ومن بناتها وهي ترجوه ألا يرفع صوته حتي لايوقظ بناته ولكن من غير فائدة وبعدها بقليل يخبرها بأن تفرش له سريره فوق سطح الدار وتنزل من فورها حتي يستطيع أن ينام ويتهنأ بنومته ولايريدها أن تتبعه أو أن تنام بقربه فقد مل رؤية وجهها فتفعل له مايريد وترجع بسرعة لتنام بالقرب من بناتها وهي تمسح دموعها وتشكو همها لله وحده.
يصعد زوجها لسطح المنزل وهو يترنح من سكره ويبدأ في البحث عن سريرة ليلقي بجسده عليه ولكنه بدلا من ذلك يمد الخطي الي حافة السطح فيهوي الي الأرض جثة هامدة غارقة في دمها الملوث برائحة الخمر أمام المنزل لايدري بها أحد حتي الصباح.
عندما يستيقظ الأب لصلاة الفجر ويمر بالحوش للذهاب الي الحمام ليتوضأ يري جثة ولده حمود ممددة في صدرالحوش فيوقض الخدم ويأمرهم بنقله الي غرفتهم وتنظيف جسمه من الدم الذي ملأه ووضع ملابس جديدة عليه ونقله الي غرفة زوجته ساره بعدما تقدمهم ليوقظ سارة ويبلغها بالأمر طالبا منها الستر علي ولده وعدم إبلاغ والدته أو أحد من الأسرة بالأمروكي يظهر الأمر بأنه قد مات في سريره وهو نام عندها وأما الخدم فهو يضمن سكوتهم .
ويتم له مايريد فزوجة أبنه سارة كانت دوما متعقلة ومطيعة لأهل زوجها وهو أمر تربت عليه أكثر الفتيات في ذلك الوقت, فينتهي من أمر جنازة ولده ودفنه بأسرع وقت .
كان شديد البأس قوي المراس فلم تستطع ساره أن تري عليه أي علامة ضعف وندم علي خسارة ولده حمود حتي وأنه خال لها أنه استراح من مشاكل حمود وخوفه من أن يفضحه بأعماله السيئة التي كان يزاولها في حياته ولم تكن تتماشي مع عادات وتقاليد مجتمعه ولكنها بعد ذلك تتدارك في نفسها وبحسرة شديدة وتهمس الي نفسها بأن تذكر محاسن موتاها..
وهكذا تنطوي صفحة حمود من حياة سارة وتحاول سارة أن تنسي و تضع همها كله في تربية بناتها الثلاثة ومحاولة التخفيف عنهم شعورهم باليتم الذي حل بهم وهم صغارا لايفقهون مايحدث حولهم وتجد في أسفار حمود وبعده عن بناته بالشهور منفذا لها كلما سألوها عنه بالرد عليهم بأنه مازال مسافرا حتي يكبروا ويتفهموا الحياة فتبلغهم بحقيقة الأمر.
ولكن والدي حمود ينشغل فكرهم بأمر أخرفسارة مازالت صغيرة وستفكر بالزواج يوما من رجل أخر ولتفادي هذا الأمر يفكر والد حمود بولده الكبير صالح وبأنه قد يكون الحل المناسب لتعويض ساره عن خسارتها وحظها السئ بزواجها من حمود ولده وبأن صالح قد يستطيع أن يمحو بعض القسوة من حياة سارة والتي عانتها طوال فترة زواجها من ولده ويقرران هو وزوجته صالحة بمفاتحة سارة بهذا الموضوع بعد أربعينية ولدهم.
بعد أنقضاء عدة سارة علي زوجها حمود يفاتح والد حمود سارة بفكرة تزويجها من صالح حتي تبقي هي وبناتها في بيتهم ولايفكر أهلها في تزويجها من شخص أخر وتقر سارة بأن صالح يحب بناتها جدا وعندما كان يحضر من سفره كان لايتركهم لحظة واحدة ويكاد من فرحه بهم أن يرفعهم من الأرض حتي لايكادون يمشون عليها وبأنها من أجل سعادة بناتها ولشدة أدب صالح لاتمانع أبدا بأن تكون زوجة لولدهم صالح ويكاد والد صالح وزوجته أن يطيروا من علي الأرض فرحا لسماعهم لما تقوله سارة لهم فقد كانوا يتوقعون سماع أخبار سيئة وممانعة منها وخصوصا وأنها قد جربت حظها مع أحد أولادهم وذاقت منه المرارة والحسرة ولكن سبحان الله هاهي تضع الدواء لهم ولها علي ماسببه لهم حمود من جروح وألام ظنوا هم وهي بأنها لن تندمل ولكن يبدو أن صالح بحنانه وورعه ورجولته سوف يشفيهم منها.
لكنهم في غمرة فرحتهم هذه نسوا صاحب الشأن وعواطفه وهل ستكون معهم ومع سارة أم ستكون لأناس أخرين لم يحسبوا لهم حساب .
في غضون ذلك يلتقي صالح بفتاة من البادية وهو ذاهب لينتقي بعض الأغنام ليأخذها معه الي والده الذي يحب هذا الصنف من الأغنام التي تتربي علي خيرات البادية الوفيرة وخصوصا في فصل الربيع التي يمر عليها في ذلك اليوم ويشتري الأغنام من والدها مع صديقه مساعد فتسقيه من يدها شربة لبن باردة لم ينسها بعد ذلك ولم ينس شربة اللبن وظلت مزنة كما صاح عليها والدها وهو يطلب منها أن تسقيهم بعض اللبن ترن في أذنه ويسمع صداها قلبه فيتمني أن يقابلها من جديد ويشرب من يدها رشفة لبن باردة أخري تطفئ لهيب أشواقه الحري .
يتذكرصالح كلما خلا الي نفسه وكان مسرورا ورائق البال من زحمة العمل الذي يقوم به حواره السريع والخاطف معها عندما أحضرت له اللبن لتسقيه وكان يريد أن يتأكد من اسمها الذي صاح به والدها عليها,أسمك مزنة؟
هي - وماذا تريد من أسمي؟
صالح - علي الأقل أعرف اسم الفتاة التي سقتني هذا اللبن الطيب والبارد.
هي -نعم هو كما قال أبي .
صالح - ياهلا بمزنة
هي - تضحك بخجل ولاترد.
يتذكر صالح هذا الحوار السريع ويشعر بالفرح كلما تذكر مزنة فما تراه يكون شعوره هذا؟
مازال صوت مزنة وصداه يعمل ويغور في قلب صالح كلما ردد أسمها في صدره بينه وبين نفسه فقد أراد أن
يجلس معها ويحادثها أكثر ولكنه خاف عليها وخاف أن يتسبب في مشاكل لها وخصوصا وأنه يتعامل مع والدها في شراء الأغنام منه
منذ فترة ولكنه لم يشاهد مزنة إلا في ذلك اليوم وهو يعتبره من الأن من أيام سعده وخشي أنه لو أطال الحديث معها فقد يحرم من العودة
للقاءها فأختصر وأخفي في نفسه إعجابه بها حتي لايسبب ذلك حرجا له مع والد مزنة الذي يعرفه من فترة طويلة فأختصر بكلامه ومضي
هو وصاحبه بسرعة بعد أن شربا اللبن من يدها.
يفكر صالح بأنه لو تقدم بخطبتها وذهب برفقة صديقه مساعد الي أهلها فهل سيوافقون عليه أم أنهم سيتخوفون علي أبنتهم من الذهاب معه ويخافون عليها عيشة المدينة أم سيخرج ابن عم لها يطالب بها لمجرد سماعه بخطبة ابن المدينة لها ويقف في طريقها ويقول بنت عمي وأنا أحق بها من غيري حتي وإن كان متزوجا من غيرها.
وبعد هذا كله ماذا سيكون موقف والده ووالدته من الموضوع وهم الذين لايسمحون لأولادهم بالزواج من عائلة خارج عائلتهم فما بالك بفتاة من البادية ترعي الغنم و لاتعرف عيش المدن وتملأها البراءة التي تشبه براءة الأطفال,ولكنه علي كل الأحوال يحس بأن نفسه تهواها وتعشقها ولايريد لنفسه زوجة غيرها.
إنه والله لفي حيرة كبيرة مابعدها حيرة ولكن قلبه يقول له دائما ويلح عليه بأن لايترك هذه الفتاة مزنة فقد خلقت له كما خلق هو لها فهي نبتة ناعمة ورقيقة زرعت في وسط الصحراء القاحلة الجافة , فأين سترسي سفينته ,الله وحده أعلم (سبحانه).
لايعلم صالح وهو يفكر في مزنة بأن الأمور اصعب مما يتصور وأن والده يعده للزواج من زوجة أخيه وأرملته سارة
حتي يقوم برعاية أولادها وبما ينتظره من غضب عاصف و لا يتخيل قوة ثورة البركان التي سيبديها أبوه إن هو لم يفعل مايأمره به
والذي قد يؤثر علي علاقته مع والده وماسيجره هذا الفعل علي أولاده من بعده الي مدي الحياة ولكن هي الأيام تفعل ماتشاء بنا وبما
قسمه الله لنا ولانقدر علي أن نحولها أو يحولها صالح الي صالحه إلا بما تسمح لنا ظروفنا ومايسمح الله به برد قضائه وبتحويله.
يقرر صالح أن يقوم بزيارة أخري لمكان مزنة مع مساعده مساعد وساعده الأيمن في كل أموره فهو صديقه الصدوق الذي لم يخذله يوما
في أي أمر قد طلبه منه ,ذلك أنه يريد أن يقابل مزنة ويحادثها بما في نفسه وهو يعلم أنه لايفعل أي غلط فنيته صافية وقصده شريف وهو
فهو يريد أن يعرف رأيها قبل مقابلة والدها حتي لاتحرجه برفضها لطلبه حين يتقدم به .
يجد صالح بأن أهل مزنة مازالوا في مكانهم القديم ولم يرتحلوا عنه وهذا من حسن حظه ويجد مزنة في نفس المكان الذي كانت ترعي به الغنم
مع أختها الصغيرة وكأنه تركها البارحة ولم يمض علي تركه لها أكثر من أربعة شهور وماأن تراه حتي تسرع الي شياهها لتحضر له شربة اللبن
التي يحبها وأختها الصغيرة تحمل الأخري لصديقه مساعد.
يبادرها صالح بصوته المشتاق - حيا الله مزنة.
مزنة -االله يحييك,رجعت من نفس الطريق ؟هل ستذهب الي المدينة؟
صالح - يعتمد.
مزنة - علي أي شئ؟
صالح - وهو يشرب اللبن ليبل ريقه,أحب أعرف رأيك في موضوع مهم.
مزنة -تفضل .
صالح - لو طلبتك من والدك للزواج فهل ستوافقين؟
مزنة -هذا الكلام تقوله لأبي .
صالح -يعني أنت موافقة؟
مزنة -إذا وافق أبي فأنا موافقة تقولها بسرعة وتهرب هي وأختها من أمامه بسرعة البرق والخجل يركبها من رأسها حتي
أخمص قدميها.
مساعد - مبروك ياصالح مزنة وافقت وعليك الأن الذهاب الي والدها لمخاطبته في الموضوع وخير البر عاجله.
يأخذ صالح بنصيحة صديقه مساعد ويطلب منه أن يرافقه الي حيث يسكن والد مزنة في بيت الشعر الذي يعرفه والذي كان يتردد عليه مرارا عندما تكون له حاجة في شراء أغنام أو جمال منه فقد كان تعامله معه دوما يتسم بالطيبة وبالأسعار المناسبة التي لايجدها عند غيره ولكن زيارته اليوم مختلفة وحضوره مع مساعد صديقه وبدون والده قد يضعف قضيته ولكنه سوف يختلق عذرا لغياب والده ويتحجج أمام والد مزنة بأن كبر سن والده ومرضه تمنعانه عن الحضور في هذا اليوم المهم في حياة ولده وأن يتشرف بمعرفة والد مزنة ووالد العروسة لأبنه البكري ولعله يقتنع من هذا التفسير ويأخذ به ويأمل بأن لايقف أحد أولاد عمومتها في وجه زواجه منها كما هي عاداتهم.
يصل صالح وصديقه مساعد الي غايتهم وينزلان ضيوفا عند أبو مزنه وبعد أن يرحب بهم ويقوم بحق ضيافتهم يطلب منه صالح أن يجلس ويستريح فهو يريد أن يفاتحه بموضوع مهم فيمتثل والد مزنة لأمر ضيوفه ويجلس بالقرب منهم وهنا يستجمع صالح كل قواه ويفاتح والد مزنه بطلبه وبأنه يريد أن يتزوج من أبنته.
والد مزنة وكما توقع صالح يسأله لما لم يحضر والدك معك فيعطيه صالح السبب الذي أتفق مع نفسه علي قوله له ويتعلل بمرض والده وشيخوخته وهنا يطلب والد مزنة من صالح أن يسمح له بالدخول الي حيث زوجته وأبنته ليسألهم فيجد الأثنتين وقد وافقتا,مزنة لحبها لصالح ووالدة مزنة لحبها لأبنتها ورغبتها بأن تصبح أبنتها من نساء المدينة فترتاح من تعب الصحراء ورعي الغنم فينزل والد مزنة عند رغبتهم ويجيب صالح علي سؤاله ويعطيه مزنة زوجة له وهنا يقول له صالح بأنه يود أن يطلب منه طلب أخربأن يكون العرس هنا عندهم فيقضي بعض الأيام عندهم ومن ثم يسافر الي أهله فيجيبه أبو مزنة علي طلبه وهنا يقوم صالح بدفع مهر العروسة ويعده بأن يشري لها قطع من الذهب عندما ينزل بها الي المدينة .
يحصل صالح علي مايريد ويقام له عرس في البادية لم يشهد صالح ولا صديقه مساعد مثله في المدينة وعندما تنقضي ايام إقامته التي قررها عند أهل مزنة يقعد صالح العزم علي أن يأخذ زوجته الي بساتينه في البصرة فينزلها في بيته ويقيم بها هناك الي أن ينظر في كيفية مفاتحة والده بهذا الزواج ويطلب من صاحبه مساعد أن يصاحبه الي هناك ويحفظ سره .
يصل صالح الي منزله في البصرة ويطلب من الفلاحين عنده بأن يرسلوا زوجاتهم ليساعدوا مزنة في ترتيب بيتها الجديد فهي غريبة وجديدة علي هذا المكان فيكون له مااراد ويحس من نظرة مزنة بأنها مسرورة منه ومن بيتها الجديد ولكن في عيونها عدة أسئلة تود لو تقولها لصالح ولكنها ترجئها عنه حتي لاتفسد عليه وعليها فرحتهما في هذه الأيام السعيدة.
يبقي صالح في بساتينه ومعه مزنة في فرحة دائمة وبالرغم من أن مزنة بفطرة البدوية وذكاءها تحس بأن صالح
ماأتي بها هنا الي البصرة ولم يذهب بها الي الكويت إلا لسبب هي لاتعرفه الأن وإن كان يتحجج بأنه يريد أن يكون قريبا من أملاكه
فهو أمر هي قد طاوعته فيه حتي لاتفسد عليه وعليها فرحتهم وهي مادامت معه فلا يهمها المكان وهذا مااقنعت مزنة نفسها به ولكن
وعلي الرغم من ذلك ففرحتها لاتتم وتجد مراقب الساتيين عند صالح يخبره بأن هناك شخص أسمه أبو عبدالله يريد أن يقابله في أمر هام
وبأنه قد أشتري من والده كل بساتينه ماعدا البستان الذي يقع فيه منزله مع مزنة ومعه ورقة موثقة بذلك وأنه يطلب مقابلته في التو والحال.
يطلب صالح من العامل علي بساتيينه أو مايسمونه الناظر علي أملاكه بأن يحضر الرجل ويحسن وفادته فيفعل ويجلسه في مجلس الضيوف
ويسامره ويحضر له طعام الغداء ويشربه الشاي والقهوة حتي حضور عمه صالح من منزله .
يدخل صالح الي الديوان ويرحب بضيفه ويسأله عن أخبار الكويت فقد اشتاق إليها واشتاق الي والده ووالدته والي بنات اخيه حمود كثيرا.
أبوعبدالله -الكل بخير والحمد لله ,كما تعرف وكما ابلغك ناظر بساتيينك فقد باعني والدك كل البساتيين التي تخصه هنا ماعدا البستان الذي
فيه منزلك فقد تركه لك ولزوجتك.
صالح - وهل علم والدي بقصة زواجي؟
أبوعبدالله -والدك له صلاته وعلاقاته الكثيرة ومتي ماأراد أن يعرف شئ عنك فلن يعدم الوسيلة لذلك حتي ولو كنت بعيدا عنه هنا في البصرة .
صالح - كنت انتظر الوقت المناسب حتي أبلغه بالأمر لاأكثر ولاأقل.
أبوعبدالله -يبدو أنه كانت له خطط أخري لزواجك فقد أحسست بغضبه منك وهو يحادثني عنك وماأنقله لك من حديث أمرني بأن يصل لك بالحرف الواحد.
صالح - خيرا إن شاء الله؟؟
أبو عبدالله - أخبرني بأن اقول لك بأنه قد باعني كل البساتيين هنا بخمسين ألف روبية وبأنني مندهش من هذا السعر الزهيد الذي يطلبه فيها علي أتساع مساحتها
وبأنه يتعمد بيعها بهذا السعر نكاية بك ولقد حاولت أن أتهرب من الشراء ولكنه قال لي بأن هذا الأمربيني وبين ولدي وإن لم تشتري أنت فسيشتري
غيرك.
صالح - نعم لقد صدق في هذا القول ,سامح الله والدي ,ولكن لاعليك فهذا رزقك وقد كتبه الله لك وسأفعل ماطلبه والدي مني واسلمك البساتيين كلها
بفلاحيها ونخيلها ومزروعاتها وبارك الله لك فيها.
أبوعبدالله -شكرا لك ياولدي لاأعرف ماأقول لك حقا ولكنني أدعو الله أن يصلحك علي والدك وأرجو أن تحاول أن تحوز علي رضاه باي وسيلة لأن
غضبه منك بدا لي مدمرا و قد يكلفك الغالي والنفيس وربما أنه يلحق الضررحتي بك وبزوجتك وأولادك من بعدك.
صالح - لاتهتم لهذا الأمر ,يفعل الله مايريد ,المهم في النهاية أن يرضي أبي عني ويسامحني وإن لم أخطأ.
أبو عبدالله - والنعم بالله ولكنها النصيحة ياولدي والدين النصيحة.
صالح - جزاك الله خيرا ونلتقي في القريب حتي اسلمك البساتيين كلها وأخلي مسؤوليتي أمامك وأمام الله منها.
أبو عبدالله - وهو كذلك ,في حفظ الله ورعايته ياولدي.
يسرح بعدها صالح في حاله ويقول لقد صعبت حالي علي الرجل الغريب أبوعبدالله ولم تصعب علي والدي الذي يبدو
بأنه لن يسامحني علي زواجي من مزنة وتركي لسارة زوجة أخي حمود وبناتها ولاأظنه يفعل ذلك.
يتبع .............................>.
أخوكم - ابن سينا.admin سينا.
كان مساعد ولد بار بوالديه لم يخرج يوما عن طوعهم ولذلك
عندما أختارا له زوجة صالحة من العائلة حيث كانت التقاليد وقتها تقضي بذلك في عائلتهم وبشدة لم يعص والديه وتزوج من أبنة عمه صالحه وعاش معها بما يرضي الله فانجبت له ولدين صالح وهو البكري وحمود ولم يرزقا ببنت أو أولاد غيرهم وظل مساعد يرجو أن يكبرا ويساعداه في تجارته بين الكويت والهند والبصرة عندما كان يقوم بتحميل التمور من البصرة ببغلته الكبيرة(سفينة تسمي البغلة وهي تستعمل للأحمال التجارية)التي ورثها عن أبيه ويقوم ببيعها في الهند وبنقودها يذهب الي زنجبار ليعود بالخشب الي الكويت ولم يكن له خبرة في الغوص واللؤلؤ وتجارته ولذلك وعندما كبرا ولديه علمهما مايعلم ومايحسنه فتربي ولديه علي ذلك وكان حمود وهو الأصغر كثير التعلق بوالده ولايعصي له أمرا ولذلك عندما أمره والده بالزواج أمتثل لأمره وتزوج أبنة عمه ساره وظل صالح بدون زواج لأنه لايقر هذا الوضع داخل نفسه ويريد أن يتزوج علي طريقته بفتاة يهواها قلبه حتي وإن كانت من خارج العائلة برغم علمه بما قد يجر هذا القرار عليه من متاعب ولذلك لم يعارض بأن يتزوج أخوه حمود قبله بالرغم من أن التقاليد تقضي بأن يتزوج الكبير قبل الصغير وبارك لأخيه حمود وكان مسرورا لزواجه لأنه أبعد الأضواء عنه وترك له فرصة رأها صالح مهمة حتي يلتقي قلبه بمن يحب وظل حمود يركب بغلة والده ويتاجر معه في أسفاره بينما أستقر صالح في بساتين البصرة يرعي مصالح والده فيها فقد كان الأستثمار فيها وفي بساتينها ونخيلها (قبل ظهور النفط)يعتبر مكسبا كبيرا حسب رأي والده حتي لايشتري التمور من التجار ويأخذها من بساتينه التي يشرف ولده صالح عليها ليبيعها وهكذا وجد صالح نفسه بعيدا عن الكويت يرعي مصالح والده في وسط بساتين جميلة وخضرة قل أن يجد مثلها في الكويت ونهر يمر بين بساتينه فيرويها له من غير كد أو تعب.
نرجع الي حمود وقد قفز من فرحته وهو يسمع زوجته سارة تبشره بأنها حامل في شهورها الأولي وتمني أن تبدأ ولادتها بصبي حتي يكون أكبر أخوانه وظلت هذه الفكرة تداعب مشاعره طيلة الشهور التسعة ولكن ساره خيبت ظنه كما يعتقد وهي لاحول لها ولاقوة فهذا أمر الله يهب لمن يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء أناثاويجعل من يشاء عقيما فكان أن ولدت له فتاة جميلة معافاة فراح يقبلها علي مضض ويترك تسميتها لوالدتها فسمتها سعاد وتمنت لها السعادة.عندما عاد أخوه صالح من البصرة ليبارك لأخيه وراي الفتاة طار قلبه فرحا بها وتمني لها السعادة وطلب من أخيه أن يرضي بما قسمه الله له ولكن أخوه لم يقنع من داخل نفسه وراودته نفسه بأن أخوه صالح يريد أن يكون هو من يفرح أباه عند زواجه بالولد ولذلك جاري أخوه في حديثه ولم يزد عليه وشكره علي التهنئة.لاحظت ساره عدم فرح حمود بالبنت وسارعت بالحمل مرة أخري ولكن الظروف شاءت بأن تلدها أنثي أيضاوصار عند حمود بنتان سعاد ومنيرة فزاد غضبه وراح يغيب عن المنزل ويصب همومه في العمل ووالده يحاول أن يخفف عنه ولكنه كان يقول لوالده سارة لاتلد إلا أناثا ,أتفهم هذا ياأبي؟لاتلد إلا أناثا. في كل مرة يزيد حنق حمود علي زوجته وبناته كان عمهم صالح يطير بهم فرحا ويسعد لمجرد رؤيتهم ويحدث نفسه بأن حمود في نعمة كبيرة لايعرف معناها حتي الأن ويتمني لو كان تزوج ورزق بمثل هاتين البنتين الجميلتين ويكفي أن الله من عليهم بسلامة الخلًق وحلاوة المنظر
ترزق سارةبأبنتها الثالثة وكالعادة تقوم هي بتسميتها فقد رفض حمود حتي النظر إليها هذه المرة , سارة تتقاضي عن الموضوع بسرعة وعلي مضض منها حتي لاتشعر عمتها وزوج عمتها بما تعانيه من تعجرف حمود وأنانيته وهل كانت هي المسؤولة عن خلق الجنين حتي تصنعه علي خاطر حمود ورغباته,أستغفر الله العظيم ,تقول هذا في سرها علي هذه الخاطرة التي فاجئت تفكيرها..
في المقابل يتحصل صالح علي بساتين واسعة ويزيد من شراءه لها في البصرة وفي أماكن ينتقيها تكون مشهورة بقيمة وجودة نخيلها من البرحي والسكر وماإلي ذلك من أصناف التمور الممتازة حتي يتحصل منها في النهاية علي تمور جيدة تجعل والده مسرورا منه ومن عمله وفخورا به, علي الرغم من أن هذا المجهود جعله يقلل من حضوره الي الكويت حتي صار وجوده في البصرة شبه مستمر ولاينزل للكويت الي في النزر القليل ومتي مانزل الي الكويت راح يجري الي بنات أخيه الثلاث سعاد ومنيرةودلال ليحتضنهم بكل دلال وشوق فكانوا يعوضون به حنان أبيهم من غير أن يشعروا حتي باتوا ينادونه بابا صالح,حضر بابا صالح وذهب بابا صالح.ظل حمود غاضبا من زوجته لأنها أنجبت له ثلاث بنات ولأن والده منعه من الزواج من أمرأة أخري وطلب منه أن يصبر علي زوجته حتي تأتي له بالصبي الذي يتمناه قلبه ولذلك فقد جن جنونه وراح يعاقر الخمر متي ماتسني له ذلك في سفره أو وجده عند أصحاب السوء من رفاقه الجدد الذي عرفته الخمرة ولعب الميسر عليهم في سهراته معهم والتي كانوا يتخفون فيها عن الناس في أحدي المزارع النائية في الفنطاس في ذلك الوقت في زمن كان فيه شرب السجائر من الخطايا التي يكفر عليها المرء فما بالك بالخمر والميسرولكن لاشئ يمكنه أن يستمر سرا الي الأبد فكان أن نبا علم ذلك الي والد حمود فبدأ يضيق به ذرعا ويحاول نصيحته بعيدا عن زوجته صالحة حتي لاتسمع مايدور بينهم فلو سمعت بهذا فهو يعلم بأن نهايتها ستكون علي يد ولدها حمود.
في يوم من الأيام يحضر حمود عند الفجر وهو في حالة سكر شديد ويتسلل الي البيت بهدوء شديد ويمر علي غرفة زوجته التي مازالت ساهرة ترتقب حضوره ليكيل لها كل مافي قلبه من ضجر منها ومن بناتها وهي ترجوه ألا يرفع صوته حتي لايوقظ بناته ولكن من غير فائدة وبعدها بقليل يخبرها بأن تفرش له سريره فوق سطح الدار وتنزل من فورها حتي يستطيع أن ينام ويتهنأ بنومته ولايريدها أن تتبعه أو أن تنام بقربه فقد مل رؤية وجهها فتفعل له مايريد وترجع بسرعة لتنام بالقرب من بناتها وهي تمسح دموعها وتشكو همها لله وحده.
يصعد زوجها لسطح المنزل وهو يترنح من سكره ويبدأ في البحث عن سريرة ليلقي بجسده عليه ولكنه بدلا من ذلك يمد الخطي الي حافة السطح فيهوي الي الأرض جثة هامدة غارقة في دمها الملوث برائحة الخمر أمام المنزل لايدري بها أحد حتي الصباح.
عندما يستيقظ الأب لصلاة الفجر ويمر بالحوش للذهاب الي الحمام ليتوضأ يري جثة ولده حمود ممددة في صدرالحوش فيوقض الخدم ويأمرهم بنقله الي غرفتهم وتنظيف جسمه من الدم الذي ملأه ووضع ملابس جديدة عليه ونقله الي غرفة زوجته ساره بعدما تقدمهم ليوقظ سارة ويبلغها بالأمر طالبا منها الستر علي ولده وعدم إبلاغ والدته أو أحد من الأسرة بالأمروكي يظهر الأمر بأنه قد مات في سريره وهو نام عندها وأما الخدم فهو يضمن سكوتهم .
ويتم له مايريد فزوجة أبنه سارة كانت دوما متعقلة ومطيعة لأهل زوجها وهو أمر تربت عليه أكثر الفتيات في ذلك الوقت, فينتهي من أمر جنازة ولده ودفنه بأسرع وقت .
كان شديد البأس قوي المراس فلم تستطع ساره أن تري عليه أي علامة ضعف وندم علي خسارة ولده حمود حتي وأنه خال لها أنه استراح من مشاكل حمود وخوفه من أن يفضحه بأعماله السيئة التي كان يزاولها في حياته ولم تكن تتماشي مع عادات وتقاليد مجتمعه ولكنها بعد ذلك تتدارك في نفسها وبحسرة شديدة وتهمس الي نفسها بأن تذكر محاسن موتاها..
وهكذا تنطوي صفحة حمود من حياة سارة وتحاول سارة أن تنسي و تضع همها كله في تربية بناتها الثلاثة ومحاولة التخفيف عنهم شعورهم باليتم الذي حل بهم وهم صغارا لايفقهون مايحدث حولهم وتجد في أسفار حمود وبعده عن بناته بالشهور منفذا لها كلما سألوها عنه بالرد عليهم بأنه مازال مسافرا حتي يكبروا ويتفهموا الحياة فتبلغهم بحقيقة الأمر.
ولكن والدي حمود ينشغل فكرهم بأمر أخرفسارة مازالت صغيرة وستفكر بالزواج يوما من رجل أخر ولتفادي هذا الأمر يفكر والد حمود بولده الكبير صالح وبأنه قد يكون الحل المناسب لتعويض ساره عن خسارتها وحظها السئ بزواجها من حمود ولده وبأن صالح قد يستطيع أن يمحو بعض القسوة من حياة سارة والتي عانتها طوال فترة زواجها من ولده ويقرران هو وزوجته صالحة بمفاتحة سارة بهذا الموضوع بعد أربعينية ولدهم.
بعد أنقضاء عدة سارة علي زوجها حمود يفاتح والد حمود سارة بفكرة تزويجها من صالح حتي تبقي هي وبناتها في بيتهم ولايفكر أهلها في تزويجها من شخص أخر وتقر سارة بأن صالح يحب بناتها جدا وعندما كان يحضر من سفره كان لايتركهم لحظة واحدة ويكاد من فرحه بهم أن يرفعهم من الأرض حتي لايكادون يمشون عليها وبأنها من أجل سعادة بناتها ولشدة أدب صالح لاتمانع أبدا بأن تكون زوجة لولدهم صالح ويكاد والد صالح وزوجته أن يطيروا من علي الأرض فرحا لسماعهم لما تقوله سارة لهم فقد كانوا يتوقعون سماع أخبار سيئة وممانعة منها وخصوصا وأنها قد جربت حظها مع أحد أولادهم وذاقت منه المرارة والحسرة ولكن سبحان الله هاهي تضع الدواء لهم ولها علي ماسببه لهم حمود من جروح وألام ظنوا هم وهي بأنها لن تندمل ولكن يبدو أن صالح بحنانه وورعه ورجولته سوف يشفيهم منها.
لكنهم في غمرة فرحتهم هذه نسوا صاحب الشأن وعواطفه وهل ستكون معهم ومع سارة أم ستكون لأناس أخرين لم يحسبوا لهم حساب .
في غضون ذلك يلتقي صالح بفتاة من البادية وهو ذاهب لينتقي بعض الأغنام ليأخذها معه الي والده الذي يحب هذا الصنف من الأغنام التي تتربي علي خيرات البادية الوفيرة وخصوصا في فصل الربيع التي يمر عليها في ذلك اليوم ويشتري الأغنام من والدها مع صديقه مساعد فتسقيه من يدها شربة لبن باردة لم ينسها بعد ذلك ولم ينس شربة اللبن وظلت مزنة كما صاح عليها والدها وهو يطلب منها أن تسقيهم بعض اللبن ترن في أذنه ويسمع صداها قلبه فيتمني أن يقابلها من جديد ويشرب من يدها رشفة لبن باردة أخري تطفئ لهيب أشواقه الحري .
يتذكرصالح كلما خلا الي نفسه وكان مسرورا ورائق البال من زحمة العمل الذي يقوم به حواره السريع والخاطف معها عندما أحضرت له اللبن لتسقيه وكان يريد أن يتأكد من اسمها الذي صاح به والدها عليها,أسمك مزنة؟
هي - وماذا تريد من أسمي؟
صالح - علي الأقل أعرف اسم الفتاة التي سقتني هذا اللبن الطيب والبارد.
هي -نعم هو كما قال أبي .
صالح - ياهلا بمزنة
هي - تضحك بخجل ولاترد.
يتذكر صالح هذا الحوار السريع ويشعر بالفرح كلما تذكر مزنة فما تراه يكون شعوره هذا؟
مازال صوت مزنة وصداه يعمل ويغور في قلب صالح كلما ردد أسمها في صدره بينه وبين نفسه فقد أراد أن
يجلس معها ويحادثها أكثر ولكنه خاف عليها وخاف أن يتسبب في مشاكل لها وخصوصا وأنه يتعامل مع والدها في شراء الأغنام منه
منذ فترة ولكنه لم يشاهد مزنة إلا في ذلك اليوم وهو يعتبره من الأن من أيام سعده وخشي أنه لو أطال الحديث معها فقد يحرم من العودة
للقاءها فأختصر وأخفي في نفسه إعجابه بها حتي لايسبب ذلك حرجا له مع والد مزنة الذي يعرفه من فترة طويلة فأختصر بكلامه ومضي
هو وصاحبه بسرعة بعد أن شربا اللبن من يدها.
يفكر صالح بأنه لو تقدم بخطبتها وذهب برفقة صديقه مساعد الي أهلها فهل سيوافقون عليه أم أنهم سيتخوفون علي أبنتهم من الذهاب معه ويخافون عليها عيشة المدينة أم سيخرج ابن عم لها يطالب بها لمجرد سماعه بخطبة ابن المدينة لها ويقف في طريقها ويقول بنت عمي وأنا أحق بها من غيري حتي وإن كان متزوجا من غيرها.
وبعد هذا كله ماذا سيكون موقف والده ووالدته من الموضوع وهم الذين لايسمحون لأولادهم بالزواج من عائلة خارج عائلتهم فما بالك بفتاة من البادية ترعي الغنم و لاتعرف عيش المدن وتملأها البراءة التي تشبه براءة الأطفال,ولكنه علي كل الأحوال يحس بأن نفسه تهواها وتعشقها ولايريد لنفسه زوجة غيرها.
إنه والله لفي حيرة كبيرة مابعدها حيرة ولكن قلبه يقول له دائما ويلح عليه بأن لايترك هذه الفتاة مزنة فقد خلقت له كما خلق هو لها فهي نبتة ناعمة ورقيقة زرعت في وسط الصحراء القاحلة الجافة , فأين سترسي سفينته ,الله وحده أعلم (سبحانه).
لايعلم صالح وهو يفكر في مزنة بأن الأمور اصعب مما يتصور وأن والده يعده للزواج من زوجة أخيه وأرملته سارة
حتي يقوم برعاية أولادها وبما ينتظره من غضب عاصف و لا يتخيل قوة ثورة البركان التي سيبديها أبوه إن هو لم يفعل مايأمره به
والذي قد يؤثر علي علاقته مع والده وماسيجره هذا الفعل علي أولاده من بعده الي مدي الحياة ولكن هي الأيام تفعل ماتشاء بنا وبما
قسمه الله لنا ولانقدر علي أن نحولها أو يحولها صالح الي صالحه إلا بما تسمح لنا ظروفنا ومايسمح الله به برد قضائه وبتحويله.
يقرر صالح أن يقوم بزيارة أخري لمكان مزنة مع مساعده مساعد وساعده الأيمن في كل أموره فهو صديقه الصدوق الذي لم يخذله يوما
في أي أمر قد طلبه منه ,ذلك أنه يريد أن يقابل مزنة ويحادثها بما في نفسه وهو يعلم أنه لايفعل أي غلط فنيته صافية وقصده شريف وهو
فهو يريد أن يعرف رأيها قبل مقابلة والدها حتي لاتحرجه برفضها لطلبه حين يتقدم به .
يجد صالح بأن أهل مزنة مازالوا في مكانهم القديم ولم يرتحلوا عنه وهذا من حسن حظه ويجد مزنة في نفس المكان الذي كانت ترعي به الغنم
مع أختها الصغيرة وكأنه تركها البارحة ولم يمض علي تركه لها أكثر من أربعة شهور وماأن تراه حتي تسرع الي شياهها لتحضر له شربة اللبن
التي يحبها وأختها الصغيرة تحمل الأخري لصديقه مساعد.
يبادرها صالح بصوته المشتاق - حيا الله مزنة.
مزنة -االله يحييك,رجعت من نفس الطريق ؟هل ستذهب الي المدينة؟
صالح - يعتمد.
مزنة - علي أي شئ؟
صالح - وهو يشرب اللبن ليبل ريقه,أحب أعرف رأيك في موضوع مهم.
مزنة -تفضل .
صالح - لو طلبتك من والدك للزواج فهل ستوافقين؟
مزنة -هذا الكلام تقوله لأبي .
صالح -يعني أنت موافقة؟
مزنة -إذا وافق أبي فأنا موافقة تقولها بسرعة وتهرب هي وأختها من أمامه بسرعة البرق والخجل يركبها من رأسها حتي
أخمص قدميها.
مساعد - مبروك ياصالح مزنة وافقت وعليك الأن الذهاب الي والدها لمخاطبته في الموضوع وخير البر عاجله.
يأخذ صالح بنصيحة صديقه مساعد ويطلب منه أن يرافقه الي حيث يسكن والد مزنة في بيت الشعر الذي يعرفه والذي كان يتردد عليه مرارا عندما تكون له حاجة في شراء أغنام أو جمال منه فقد كان تعامله معه دوما يتسم بالطيبة وبالأسعار المناسبة التي لايجدها عند غيره ولكن زيارته اليوم مختلفة وحضوره مع مساعد صديقه وبدون والده قد يضعف قضيته ولكنه سوف يختلق عذرا لغياب والده ويتحجج أمام والد مزنة بأن كبر سن والده ومرضه تمنعانه عن الحضور في هذا اليوم المهم في حياة ولده وأن يتشرف بمعرفة والد مزنة ووالد العروسة لأبنه البكري ولعله يقتنع من هذا التفسير ويأخذ به ويأمل بأن لايقف أحد أولاد عمومتها في وجه زواجه منها كما هي عاداتهم.
يصل صالح وصديقه مساعد الي غايتهم وينزلان ضيوفا عند أبو مزنه وبعد أن يرحب بهم ويقوم بحق ضيافتهم يطلب منه صالح أن يجلس ويستريح فهو يريد أن يفاتحه بموضوع مهم فيمتثل والد مزنة لأمر ضيوفه ويجلس بالقرب منهم وهنا يستجمع صالح كل قواه ويفاتح والد مزنه بطلبه وبأنه يريد أن يتزوج من أبنته.
والد مزنة وكما توقع صالح يسأله لما لم يحضر والدك معك فيعطيه صالح السبب الذي أتفق مع نفسه علي قوله له ويتعلل بمرض والده وشيخوخته وهنا يطلب والد مزنة من صالح أن يسمح له بالدخول الي حيث زوجته وأبنته ليسألهم فيجد الأثنتين وقد وافقتا,مزنة لحبها لصالح ووالدة مزنة لحبها لأبنتها ورغبتها بأن تصبح أبنتها من نساء المدينة فترتاح من تعب الصحراء ورعي الغنم فينزل والد مزنة عند رغبتهم ويجيب صالح علي سؤاله ويعطيه مزنة زوجة له وهنا يقول له صالح بأنه يود أن يطلب منه طلب أخربأن يكون العرس هنا عندهم فيقضي بعض الأيام عندهم ومن ثم يسافر الي أهله فيجيبه أبو مزنة علي طلبه وهنا يقوم صالح بدفع مهر العروسة ويعده بأن يشري لها قطع من الذهب عندما ينزل بها الي المدينة .
يحصل صالح علي مايريد ويقام له عرس في البادية لم يشهد صالح ولا صديقه مساعد مثله في المدينة وعندما تنقضي ايام إقامته التي قررها عند أهل مزنة يقعد صالح العزم علي أن يأخذ زوجته الي بساتينه في البصرة فينزلها في بيته ويقيم بها هناك الي أن ينظر في كيفية مفاتحة والده بهذا الزواج ويطلب من صاحبه مساعد أن يصاحبه الي هناك ويحفظ سره .
يصل صالح الي منزله في البصرة ويطلب من الفلاحين عنده بأن يرسلوا زوجاتهم ليساعدوا مزنة في ترتيب بيتها الجديد فهي غريبة وجديدة علي هذا المكان فيكون له مااراد ويحس من نظرة مزنة بأنها مسرورة منه ومن بيتها الجديد ولكن في عيونها عدة أسئلة تود لو تقولها لصالح ولكنها ترجئها عنه حتي لاتفسد عليه وعليها فرحتهما في هذه الأيام السعيدة.
يبقي صالح في بساتينه ومعه مزنة في فرحة دائمة وبالرغم من أن مزنة بفطرة البدوية وذكاءها تحس بأن صالح
ماأتي بها هنا الي البصرة ولم يذهب بها الي الكويت إلا لسبب هي لاتعرفه الأن وإن كان يتحجج بأنه يريد أن يكون قريبا من أملاكه
فهو أمر هي قد طاوعته فيه حتي لاتفسد عليه وعليها فرحتهم وهي مادامت معه فلا يهمها المكان وهذا مااقنعت مزنة نفسها به ولكن
وعلي الرغم من ذلك ففرحتها لاتتم وتجد مراقب الساتيين عند صالح يخبره بأن هناك شخص أسمه أبو عبدالله يريد أن يقابله في أمر هام
وبأنه قد أشتري من والده كل بساتينه ماعدا البستان الذي يقع فيه منزله مع مزنة ومعه ورقة موثقة بذلك وأنه يطلب مقابلته في التو والحال.
يطلب صالح من العامل علي بساتيينه أو مايسمونه الناظر علي أملاكه بأن يحضر الرجل ويحسن وفادته فيفعل ويجلسه في مجلس الضيوف
ويسامره ويحضر له طعام الغداء ويشربه الشاي والقهوة حتي حضور عمه صالح من منزله .
يدخل صالح الي الديوان ويرحب بضيفه ويسأله عن أخبار الكويت فقد اشتاق إليها واشتاق الي والده ووالدته والي بنات اخيه حمود كثيرا.
أبوعبدالله -الكل بخير والحمد لله ,كما تعرف وكما ابلغك ناظر بساتيينك فقد باعني والدك كل البساتيين التي تخصه هنا ماعدا البستان الذي
فيه منزلك فقد تركه لك ولزوجتك.
صالح - وهل علم والدي بقصة زواجي؟
أبوعبدالله -والدك له صلاته وعلاقاته الكثيرة ومتي ماأراد أن يعرف شئ عنك فلن يعدم الوسيلة لذلك حتي ولو كنت بعيدا عنه هنا في البصرة .
صالح - كنت انتظر الوقت المناسب حتي أبلغه بالأمر لاأكثر ولاأقل.
أبوعبدالله -يبدو أنه كانت له خطط أخري لزواجك فقد أحسست بغضبه منك وهو يحادثني عنك وماأنقله لك من حديث أمرني بأن يصل لك بالحرف الواحد.
صالح - خيرا إن شاء الله؟؟
أبو عبدالله - أخبرني بأن اقول لك بأنه قد باعني كل البساتيين هنا بخمسين ألف روبية وبأنني مندهش من هذا السعر الزهيد الذي يطلبه فيها علي أتساع مساحتها
وبأنه يتعمد بيعها بهذا السعر نكاية بك ولقد حاولت أن أتهرب من الشراء ولكنه قال لي بأن هذا الأمربيني وبين ولدي وإن لم تشتري أنت فسيشتري
غيرك.
صالح - نعم لقد صدق في هذا القول ,سامح الله والدي ,ولكن لاعليك فهذا رزقك وقد كتبه الله لك وسأفعل ماطلبه والدي مني واسلمك البساتيين كلها
بفلاحيها ونخيلها ومزروعاتها وبارك الله لك فيها.
أبوعبدالله -شكرا لك ياولدي لاأعرف ماأقول لك حقا ولكنني أدعو الله أن يصلحك علي والدك وأرجو أن تحاول أن تحوز علي رضاه باي وسيلة لأن
غضبه منك بدا لي مدمرا و قد يكلفك الغالي والنفيس وربما أنه يلحق الضررحتي بك وبزوجتك وأولادك من بعدك.
صالح - لاتهتم لهذا الأمر ,يفعل الله مايريد ,المهم في النهاية أن يرضي أبي عني ويسامحني وإن لم أخطأ.
أبو عبدالله - والنعم بالله ولكنها النصيحة ياولدي والدين النصيحة.
صالح - جزاك الله خيرا ونلتقي في القريب حتي اسلمك البساتيين كلها وأخلي مسؤوليتي أمامك وأمام الله منها.
أبو عبدالله - وهو كذلك ,في حفظ الله ورعايته ياولدي.
يسرح بعدها صالح في حاله ويقول لقد صعبت حالي علي الرجل الغريب أبوعبدالله ولم تصعب علي والدي الذي يبدو
بأنه لن يسامحني علي زواجي من مزنة وتركي لسارة زوجة أخي حمود وبناتها ولاأظنه يفعل ذلك.
يتبع .............................>.
أخوكم - ابن سينا.admin سينا.